Résumé:
الحديث عن ما بعد الكولونيالية هو حديث عن تحوّل في خطابات النقد المعاصر، و كلام عن تأزّم
المركزيّة الغربيّة في ممارستها النقديّة ، وبالتالي بات من الواضح الاعتراف بأنّ النّظم النقدية التي
مارست اشتغالاتها وفق منظور الخطابات الناشئة حول العقل الغربي، قد اختزلت الآخر في إنتاجها
للعقل ذاته، من خلال إنتاج المعرفة التي تجعل من الممارسات السوسيوثقافية نسَقا متعالٍ لفكر نقدي
يحتمل كل مضامين الانتقال الأفقي ( دال- مدلول )، التي تقوم عليها مركزية العقل الغربي وكل الثنائيات
المفهومية التي تحمل مغالطات هذا العقل.
والاستشراق هو حتمية ثقافية فرضت ابستيمولوجيا تستنفر النسق المعرفي الغربي نحو خطاب
استعماري من وجهة نظر المُستعمِر، لا سيما الخطاب الأدبي الذي طالما حمل مبرّرات مغلوطة تتفاعل
وفق جدلية ( مركز/هامش) لها مفهوماتها التاريخية ومحمولاتها الثقافية المشحونة بإنتاج سياسات نقدية
تندرج وفق هذا المشهد، الذي تعضّده فكرة المساءلة من كينونة المستعمَر لهذا الأخير، الذي يعيد تأسيس
خطابه المضاد، بوصفه الآخر /المهّمش ، الذي عليه أن يعيد تموضعه في العالم من خلال تقديم أشكال
رمزية تعبّر عن ذاته وتنتج خصائص نقدية تُمليها اشتراطات الظاهرة الأدبية من منظور الاستغراب.
إن التحولات المفهومية التي لحقت بالعقل الغربي، كانت لها تفاعلاتها في الفكر النقدي العربي
المستقبِل لكل الأشكال والمناهج النقدية المعاصرة. وقد بات تفكيك الأنساق الكبرى لهذا العقل اشتغالا
للممارسات النقدية العربية بوصفها خطابات ناشئة حول الآخر المختلف الذي تُحاصِره رغبة العقل
الغربي –المستعمِر- في طمس كل منظوماته الثقافية والاجتماعية.
وباعتبار أن النقد العربي المعاصر ينتمي إلى تلك الأنساق الثقافية المَقصيّة، فإنه معنيُّ بخطاب ما
بعد الكولونيالية و بِنياتها الفكرية بوصفها تشكيلا خطابيا، يندرج ضمن كشف مُضمرات النماذج العليا .
ومن خلال هذا المنظور، سنسعى إلى إبراز أشكال نقدية عربية معاصرة، تناولت تشكيلات خطابية
ذات طبيعة فعّالة، على اعتبار أنها ذلك الآخر/ المُختلف، و تناول هذه النماذج العربية، التي استقبلت
الظاهرة محل الدراسة بالتحليل والبحث، مع تسليط الضوء على العُدّة المفهومية لهذه النماذج،والتي
نخصّ منها مشروع سعد البازعي، وتأسيس مسافة حوارية بين الخطابات النقدية العربية المعاصرة و
غيرها من الخطابات التي تستظل بمظلة -المابعد الكولونيالية- من خلال رفضها تمثيل العقل الغربي لها.