Résumé:
نتغيَّى من خلال هذا العمل الإجابة عن جملة من الإشكالات
الأساسية الكبرى التي يجليها هذا العنوان ابتداء، ولا بد أن مجرد تبسيط
حدوده يفي ببعض من ذلك، ولو إجمالا، فأما مصطلح التفكير اللغوي فهو
نفس اصطلاح عبد الرحمان الحاج صالح على منجزات سيبويه وجهوده
اللغوية في كتابه، ثم هو وصف كثير من الباحثين له، بل إن عددا منهم
ذهب إلى أبعد من ذلك إذ عد كتاب سيبويه البادرة العلمية الحقيقية في علم
اللغة العام، لذلك كان وسمنا لجهود سيبويه في علم اللغة بالتفكير اللغوي
أولى من وسم بعض النظريات الغربية الحديثة التي ماتت قبل أن تولد بهذه
الصفة، وقد كان سيبويه بحق من أولى اللغويين العرب بهذا المصطلح؛
لبديع صنعته اللغوية في كتابه وعجيبها، ولكمالها فيه على غير منوال،
مستحقا بها عبارتنا التفكير اللغوي عند سيبويه، لتكون دراسة فكره مقارَنةً
ومقارَبة مع اللسانيات الحديثة، مقصودا بها تلك التقاطعات المعرفيةَ
والمنهجية مع النظريات والمناهج اللسانية الحديثة، من البنوية إلى التوليدية
ثم إلى السلوكية، وغيرها.
وأما دراسة جميع ذلك من خلال منجزات عبد الرحمان الحاج
صالح فلها مسوغها القوي في اعتقادنا؛ إذ إنها أوفى الأبحاث اللسانية
دراسة لفكر سيبويه، فلم يُر في اللسانين كبير عناية بها كالعلامة الحاج
صالح، ولم يكد العلامة يعرض في كتاباته لقضية لغوية إلا ويصدرها
برأي سيبويه والخليل فيها، ثم يثَنِّي بآراء غيرهما، وقد أمكنه علمه الواسع
بالنظريات الغربية من حسن دراستها، وقلما خلا من ذلك باب لغوي في
أي من كتبه وأعماله اللسانية جميعا.
ويرى عبد الرحمان الحاج صالح أن من أهم وشائج الاتصال
والتقارب بين سيبويه ودي سوسير اتفاقهما في طبيعة دراسة اللغة إذ إنها
بحسب كل منهما تقوم على دراستها في زمنها الحاضر، لا عن طريق
دراستها وفقا لمسارها التاريخي الطويل، وهو ما يسميه سيبويه اللغة
الباقية والكثيرة والمطردة من جهة، واللغة القدمى أو القديمة من جهة
ثانية.
وقد انضوى هذا العمل على مقدمة عرَّفنا فيها بالموضوع، وبينا فيها
طريقة عرضنا لهذا البحث، وقد قسمناه إلى ثلاثة فصول، قد انضوى كل
فصل منها إلى ثلاثة مباحث، يتألف كل مبحث منها من أربعة مطالب، فأما
الفصل الأول فقد كان بمثابة تقدمة لموضوعنا، حيث آثرنا أن يكون تعريفا
عاما لموضوعنا وصورة أولية له، إذ لم نشأ الولوج إلى باب التطبيق قبل
التعريف بالموضوع، وفيه قدمنا تراجم مختصرة لسيبويه وأشياخه
وتلامذته، ثم لعبد الرحمان الحاج صالح، وعرضنا للبيئة العربية زمن
سيبويه والخليل، ولشيء من تلك السجالات العلمية بينهما وبين مختلف
المدارس في تلك القرون الفاضلة.
وأما الفصلان الآخران فهما فصلان تطبيقيان في الأساس، تناولنا
فيهما ما عرضناه في الرسالة سلفا، وكان تركيزنا البالغ على دراسة فكر
سيبويه في ضوء اللسانيات الحديثة من وجهة نظر عبد الرحمان الحاج
صالح تحديدا، لنتمم عملنا أخيرا بخاتمة حدَّدْنا فيها بصورة جلية أهم
النتائج، متبوعة بجملة من التوصيات، عسى أن يستنير بها كل باحث في
هذا الموضوع البالغ الأهمية.