Résumé:
فرضت حالة التغّير والانفتاح الكبيرين التي يعيشهما العالم منذ النصف الثاني من القرن
الماضي، على المؤسسات باختلاف طبيعة نشاطاتها (صناعية، تجارية، أو خدمية) واختلاف
أحجامها (صغيرة، متوسطة، أو كبيرة) ومستوى التغطية التي تضمنها (محمية، وطنية، أو
دولية) حالة من القلق والتوتر لدى مسئوليها، كون بقائها واستمراريتها، أصبح متوقّفا على قدرتها
على المنافسة مع نظيرتها في السوق. هذه الأخيرة (المنافسة) مرتبطة بدورها بمدى توافر العديد
من العوامل الداعمة لتحقيق هذه الميزة، لتظهر هنا هندسة التكوين training
engineeringكواحدة من تلك العوامل المهمة، إن لم نقل أهمها على الإطلاق في التحضير
لتحقيق الميزة التنافسية.
وبالرغم من الظهور المحتشم لها ابتداء من عقد الستينات من القرن الـ 20 والذي كان بسبب عدم
استساغة الكثيرين إلحاق كلمة "هندسة" كاصطلاح أكثر تقنية بكلمة "تكوين" والتي يغلب عليها
المعرفي، الوجداني، والحركي-المهاري، خاصة في الجانب التربوي التعليمي؛ إلا أن بدايات
الظهور الحقيقية كانت خلال عقد الثمانينات، لينتشر هذا المفهوم مع البدايات الأولى من القرن
الحادي والعشرين، ليشمل جميع المجالات التي يتم فيها تصميم، إعداد، وتنفيذ برامج التكوين
للمتدربين، وفق رؤى محّددة ومضبوطة، تخضع لمراحل منطقية ومترابطة مع بعضها؛ تبدأ
بوضع الاحتياجات التدريبية، من خلال تحديد الفارق بين الوضعية المرغوب الوصول إليها في
الأداء، والوضعية الحالية، واعتمادا على مؤشرات محّددة. ثم تحديد الأهداف التي تسعى
المؤسسات الوصول إليها. وهنا من المفترض أن يتم إشراك جميع الفاعلين في وضع تملك
الأهداف، وعلى رأسهم المتكونون أنفسهم، حتى نضمن انخراطهم الفعلي في العملية. انتقالا إلى
وضع تصميم محتوى تكويني بما يتضمنه من وحدات تكوينية (البرنامج) تراعى فيه مختلف
الجوانب المراد تحسينيا لدى المتكونين (معرفية، وجدانية، حركية) مع تحديد الأسلوب المناسب
والذي سيتم اعتماده في توصيل هذا التكوين إلى المتدربين. بعدها يتم تطبيق وتنفيذ هذا البرنامج،
من خلال تجسيد وترجمة تلك الأهداف إلى موضوعات ونشاطات تدريبية واقعية تحاكي ميدان
المتدرب، في جدول زمني. انتياء بتقويم هذا البرنامج وإدخال التعديلات اللازمة عليه –إن
استلزم الأمر- من خلال تحديد حجم استفادة المتكونين، وانتقال أثر التدريب إليهم؛ أي التغييرات
التي أحدثها البرنامج
لتحقيق الكفايات المستهدفة السالفة الذكر، وهذا باستخدام طرق معينة تتوافر فيها معايير الدقة،
الشمولية،
الموضوعية، والصدق ..الخ. إن هدف هذه الإجراءات جميعها، هو إكساب المتكون سلوكيات
وعادات جديدة عن مهنته، وتشكيل رصيد حقيقي لديه، بما يضمن تطوير وتعزيز مهاراته،
وتحسين جودة المخرجات التي يقدمها لمؤسسته، إذا
علمنا أن التكوين هو عملية مقصودة، ومخطط لها، ومستمرة، واستثمار في الرأس المال
البشري، وهو أفضل الاستثمارات وأكثرها استدامة. عبره من المفترض أن يصبح موظفا عالي
الأداء، ما يسمح لمؤسسته بالبقاء والقدرة على المنافسة في قطاعها. وتحسين النمو الاقتصادي
للمجتمع ككل.
ولأن طلبة السنة الأولى ماستر اختصاص إرشاد وتوجيه، سيتوجهون بعد انتهاء فترة تكوينهم
الجامعي
إلى مؤسسات مختلفة (تربوية، اقتصادية...الخ)، وأن التحاقهم بمصالح تعنى بكل ما يخص إعداد
وتكوين
الموارد البشرية، وإشراكهم في مخططات التكوين أمر وارد، فمن باب أولى أن يكونوا على
اطلاع مسبق بمبادئ هندسة التكوين، وأن تكون لديهم معرفة وإلمام وتحكم في مصطلحات
ومراحل العملية، وهو ما نعمل عمليه من
خلال الدروس المتضمنة في هذه المطبوعة البيداغوجية الموجية إلى طلبة السنة أولى ماستر
إرشاد وتوجيه،
والتي هدفها في المجمل:
1. تعريف الطالب بهندسة التكوين، والتمكن من مختلف المبادئ التي تحكمها.
2. التركيز على الجانب الإجرائي في تصميم وتنفيذ أي برنامج تدريبي، من خلال الاطلاع
على مراحل تصميم أي برنامج تكويني، والعناصر المتضمنة فيه، في ضوء ذلك من
المفترض أن يكون قادرا على وضع تصميم أولى لبرنامج تدريبي بشكل منظم مضبوط
عمليا.
للإشارة أن التكوين والتدريب يستعملان في هذه المطبوعة بصفة تناوبية تبادلية، كون جميع
الكتابات التي تناولت التكوين تتضمن نفس المعلومات والعناصر التي تتعلق بالتدريب إن كان
على المستوى المفاهيمي أو على باقي المستويات.
تصميم البرامج التكوينية.